برمجياتٌ مجانيةٌ للمديرين

يسعى الشابُ أرون ليفي، المدير التنفيذي لشركة (بوكس دوت نت)، المتخصصةِ في تخزين الملفات على الإنترنت إلى تسويقِ موقعهِ لكبار المديريين التنفيذيين، وإهدائهم نسخةً مجانيةً على أملِ إقناعِهم بجودة برمجياته. فهل يحظى موقعهُ بشهرة (فيسبوك) و(تويتر) في يومٍ ما؟.

ليس أرون ليفي سوى واحدٍ من مديري التكنولوجيا التنفيذيين الذين يبلغ عمرُ أحدِهم السادسةَ والعشرين، ولا يُكلِّفون أنفسَهم عناءَ الظهور بمظهرِ من يكبُرهم سناً. وهو ينتعل في العمل حذاءاً رياضياً بألوانٍ زاهية، ويُطلقُ شعرَه الأسودَ المُجعَّد. وغالباً ما يرتدي هذا الزيّ، الذي يُميّز المتحمسين في وادي السيليكون ممن يحاولون عن درايةٍ بناءَ شركةِ المستقبل الحديثةِ المتطورة.

 

ولكنّ شركةَ ليفي ليست حديثةً متطورة، فهي ليست بدرجةِ تطور (فيس بوك – Facebook) و(تويتر – Twitter) على الأقل. تُقدم (بوكس دوت نت – Box.net) خدماتِ تخزين ومشاركةِ الملفات، وتعتبرُ شركاتٌ ضخمةٌ مثل (مايكروسوفت – Microsoft) و(آي بي إم – IBM) و(إي إم سي – EMC) من منافسيها. أما عملاؤها فهم مديرو تكنولوجيا المعلومات الذين يُنفقون جُلَّ وقتهم وموازناتهم في صيانةِ الأنظمةِ القديمة.

 

ويحاول ليفي إقناعَهم قائلاً: “استرخوا”. ويضيف: “إن برمجياتِ المؤسساتِ جذابة، لكنّ برمجياتِنا لا تُشبهُ أبداً برمجياتِ المؤسسات”.

 

وتديرُ (بوكس دوت نت) موقعاً إلكترونياً يتيحُ تخزينَ الملفات على الإنترنت، ودعوةَ الآخرين إلى رؤيتها، ووضعَ تعليقاتٍ وتحديثات. إن النسخةَ الأساسيةَ مجانية، ولا تتطلبُ تحميلاً، كي لا يتمكن جدارُ الحمايةِ الخاص بالمؤسسةِ من حجبها. ومن يرغبُ في مزايا إضافية، من قَبيلِ حجم تخزينٍ إضافي أو حمايةٍ بكلمة سرّ، فعليه دفعُ 15 دولاراً شهرياً. تحظى (بوكس دوت نت) بعددٍ كافٍ من العملاءِ الدافعين الذين يجعلون مجهودَها مجزياً (رغم أنه لم يُصبح مربحاً بعد).

 

ويَستخدم (بوكس دوت نت) نحوُ 5 ملايين شخص. ويستخدمها موظفو 60 ألف شركةٍ دون موافقةِ أو حتى علمِ أقسام تكنولوجيا المعلومات في شركاتهم. وليست مؤسسةُ ليفي سوى واحدةٍ من لائحةٍ طويلةٍ من المؤسسات التي ولجت حديثاً عالمَ برمجيات الأعمال. وتضم هذه اللائحةُ موقعَ الشبكات الاجتماعية (يامر – Yammer)، ومزودَ أداة البريد الإلكتروني (كسوبني – Xobni) ، وشركةَ إرسال الوثائق (يو سند إت – YouSendIt). تحظى تطبيقاتُ هذه الشركات بانتشارٍ واسعٍ في أجهزة الكمبيوتر والآيباد وهواتف (أندرويد – Android) لبساطتها ورخصِ ثمنها وسهولةِ تعلمها. وتأملُ هذه الشركاتِ في أن تبلغ برمجياتُها المجانيةُ القائمةُ على الإنترنت درجةً كافيةً من الجودة تؤمِّنُ لها استخداماً واسعاً قد يُترجَمُ في نهايةِ المطاف إلى موافقةِ الشركات وإبرام صفقاتٍ ضخمة.

 

ويقول ليفي بشجاعةِ من عاشوا في العهودِ الغابرة: “لقد اندلعت ثورةٌ لإبطالِ مفعول سنواتٍ من الضوابطِ التافهة وخدماتِ العملاء الرديئة”. (لقد كان طالباً جديداً في المدرسة الثانوية عندما انفجرت فقاعةُ الإنترنت).

 

وبينما لا يتعدى عددُ من يدفعون لقاءَ استخدام المزايا المساعدةِ غير الأساسيةِ في مواقع المستهلك الإلكترونية التي تعملُ بنموذج “الحدِ الأدنى المجاني” مثل (إيفرنوت – Evernote)، نسبةَ 3% فقد نجحت (بوكس دوت نت) في تحويل 8% من عملاءِ أعمالها إلى عملاءَ دافعين، ومنهم (بنك أوف نيويورك – Bank of New York) و(تيلورميد – TaylorMade) و(كلير تشانل – ClearChannel). ووصلت الإيراداتُ خلال العام الماضي إلى 11 مليون دولار. ويتوقع ليفي ارتفاعَها أكثرَ من ضعفِ ذلك المبلغ هذا العام.

 

لم يكن أمام ليفي سوى طرحِ منتجه مجاناً لتحقيق انتشارٍ يضاهي انتشارَ (شيربوينت – SharePoint)، وهي أداةُ المشاركةِ في (مايكروسوفت) التي أُطلقت قبل عقدٍ من الزمن وحصدت مليارَ دولارٍ من المبيعات. إن بناءَ شركةِ برمجياتِ أعمالٍ بالطريقةِ التقليدية يستغرقُ أعواماً ويكلفُ مئاتِ الملايين من الدولارات، ولا يأتي طرازُ (رولوديكس – Rolodex) المتطورُ المتقن إلا بمرور الوقت. يقول ليفي: “لقد أصبحتُ ضمن قاعدةِ زبائن (مايكروسوفت)”.

 

وهو يغمز من قناةِ (مايكروسوفت) ومما تفاخرُ به في مؤتمراتها: “فرصةُ الخدمة” التي تكلف 5.6 مليار دولار كي يُشغِّلَ المستشارون والمبرمجون شيربوينت وتنجح في خدمةِ من ابتاعوها. ويقول: “هذا جيدٌ لشركاءِ (مايكروسوفت). لكنه ليس ممتازاً بالنسبة للعملاء”. ويردُّ جارد سباتارو مديرُ أعمال شيربوينت التابعةِ لمايكروسوفت: “نحن لا نتخذُ موقفاً دفاعياً على الإطلاق. إن سوقَنا أكثرُ تطوراً مما تدركه (بوكس دوت نت)”.

 

إن نموذجَ ليفي محدودٌ على الأرجح. فالمؤسساتُ من قَبيلِ (بوكس دوت نت) و(يامر) و(كسوبني) تبيع أدواتِ اتصال، ولا تبيع برمجياتٍ متطورةً من قَبيلِ برمجياتِ الشؤون المالية وسلسلةِ الإمداد والموارد البشرية التي لا تستطيع الشركاتُ أن تعملَ من غيرها. ستُطلقُ مايكروسوفت في وقتٍ ما من هذا العام نسخةً على الإنترنت من شيربوينت مقترنةً مع وورد وإكسل والبريد الإلكتروني مقابل 6 دولاراتٍ شهرياً. وهي تستهدفُ العاملين وليس أقسامَ الاتصالات. كما قامت (سيلزفورس دوت كوم – Salesforce.com) بوضع نسخةٍ مجانيةٍ من برمجيات المشاركة التي تملكها (تشاتر – Chatter).

 

ويقول غوردون ريتر من (إيميرجينس كابيتال بارتنرز – Emergence Capital Partners)، المؤسسةِ التي استثمرت منذ وقتٍ طويل في البرمجياتِ الموثوقة القائمةِ على الإنترنت (سيلزفورس – Salesforce) و(ساكسيس فاكتورز – SuccessFactors)، والمتخصصةِ في برمجياتِ أداءِ الأعمال التي تتمتع حالياً بنحو 188 مليون دولار من المبيعات: “لقد بات الخطُ الفاصلُ بين برمجيات المستهلك والأعمال ضبابياً بصورةٍ مفاجئة. وثمةَ فرصةٌ كبيرةٌ كامنةٌ في هذا”. وتملك مؤسستُه حصصاً في بضع مؤسساتٍ تعملُ بنموذج الحدِ الأدنى المجاني.

 

استقطبت (يامر)، وهي أداةٌ على غرار (فيسبوك) تستهدفُ الشركات (تتنافس مع تشاتر)، نحوَ مليونيْ مشتركٍ خلال عامين. ومن العملاءِ الدافعين (شيفرون – Chevron) و(أسترا زينيكا – AstraZeneca) و(مولسون كورس – Molson Coors). ويقول ديفيد ساكس مؤسسُ يامر وأولُ مدير عملياتٍ في (بيه بال – PayPal): “لقد تجنبنا الدفعَ لمواقعَ مثل (ياهو – Yahoo) و(إيه أو إل – AOL) لقاءَ الحصول على عملاءَ جددٍ لبيه بال. كنا سنقع في ورطةٍ كبيرةٍ لو لم نلتزم بذلك. فهذا ليس مختلفاً أبداً”.

 

إن طريقةَ عمل (يامر) شديدةُ الشبه بأسلوبِ عمل (فيسبوك) في أيامه الأولى. وينضم إليه الموظفُ باستخدام عنوان بريده الإلكتروني في العمل، ومن ثم يقومُ بدعوةِ الآخرين للانضمام إليه. لقد بلغ عددُ أعضاءِ الموقع 500 ألفِ عضو دون وجود موظفِ مبيعاتٍ واحد. ولدى ساكس حالياً 20 ممثلاً يقومون بزيارةِ لائحةٍ من الشركات التي تنمو فيها (يامر) بسرعةٍ دون مساعدةٍ من أقسام الاتصالات الداخلية.

 

وقد نجحت (كسوبني)، وهي برمجياتٌ تضاف إلى برنامج البريد الإلكتروني (أوت لوك – Outlook) من مايكروسوفت، في إقناع 12% من العملاءِ الذين يستخدمون الخدمةَ مجاناً بالدفع، وذلك من خلال موازناتِ أقسام الاتصالات أحياناً، أو ببساطة باستخدام بطاقاتهم الائتمانية. ويقول جيف بونفورت، المديرُ التنفيذيُّ لـ(كسوبني): “هذا نقيضُ أسلوب بيع برمجياتِ المؤسسات في السابق”.

 

قام بونفورت قبل عامٍ ونصفِ العام بتوظيف موظف مبيعاتٍ واحد لاستلام المكالمات الواردة. وطلب منه أن يقولَ لا لأيِّ عميلٍ يطلب ترميزاً خاصاً لإنجاز الصفقة. إنه باهظُ الثمن كثيراً. لقد قامت (كسوبني) (وهي كلمةُ صندوق البريد “inbox” أحرفُها مرتبةٌ على نحوٍ معكوس) بكافة الخطوات المطلوبة لاستقطاب وكالة (ناسا – NASA) والجيش الأمريكي ولإثبات أن برمجياتِها آمنة، ولكنها رفضت طلبيْ (فيليبس – Phillips) و(إنتل – Intel). “سنتحول إلى بناءٍ بطابقٍ واحدٍ على الطريق المجاني إذا سلكنا ذلك المسار”. عوضاً عن ذلك، فإنها تقوم بصورةٍ متواصلةٍ بتعديل البرمجياتِ الموجودة لترى ما الذي يقودُ سلوكَ المستخدمين. ومن ثم يأتي العملاءُ الذين يدفعون.

 

يرفض بعضُ المشترين أسلوبَ الحد الأدنى المجاني. ومن هؤلاء دوغ بيرس مديرُ التكنولوجيا في مؤسسةِ التسويق (مومينتوم ورلدوايد – Momentum Worldwide) (إحدى وحداتِ (إنتربابليك – Interpublic)) الذي طلب من موظفيه مرتين خلال 18 شهراً الإقلاعَ عن استخدام البرمجياتِ المجانية. وهو ينعتُ طريقةَ البيع الجديدة هذه بأنها “غيرُ أخلاقية” وتضع أشخاصاً مثل بونفورت وليفي على قدم المساواة مع “مروجي المخدرات”: ويشرح بيرس ذلك قائلاً: “ثمةَ أمران هامان في أكثرِ المؤسسات: الأشخاصُ والبيانات. إن هذه الشركاتِ تأخذ بياناتي بذكاء، ومن ثم تحاول إرغامي على الدفع كي أستعيدَ السيطرةَ على بياناتي. لا أرغب في العمل مع أشخاصٍ من هذا القبيل”.

 

ترك ليفي جامعةَ (ساوثرن كاليفورنيا – Southern California) خلال يناير/ كانون الثاني 2006، حيث خطط للتخصصِ في الأعمال والسينما، وذلك حتى يعمل بدوامٍ كامل على إنشاءِ (بوكس دوت نت). لقد انتقل إلى مرأب عمّه في بيركلي مع دايلان سميث، شريكه في التأسيس وصديقه في المدرسة الثانوية، وأرسل بريداً إلكترونياً جذاباً تمكن بواسطته من إقناع الملياردير مارك كوبان باستثمار 350 ألفَ دولار. وبعد الحصول على ذلك المبلغ، انتقلت (بوكس دوت نت) إلى مدينةِ بالو ألتو؛ وسُرعان ما شجعت إحدى مدوناته مؤسسةَ المشاريع المغامرة (درابر فيشر جورفيتسون – Draper Fisher Jurvetson) على الاستثمار (لقد جمعت الشركةُ منذ ذلك الوقت ما يبلغ 31 مليون دولار).

 

بدأ ليفي زيارةَ عملائه في عام 2007 طالباً منهم دفعَ ما يرغبون في دفعه مقابل الخدمة (كان أكثرُهم يحصلون عليها مجاناً). ويقول ليفي: “جمعنا ثمانيةَ أضعافِ ما توقعناه”. ثم بدأ ليفي خلال يناير/ كانون الثاني 2008 عمليةَ تعيين موظفي مبيعاتٍ لتلقي مكالماتِ أقسام تكنولوجيا المعلومات. وقد أبرمت بوكس دوت نت %60 من هذه الصفقات خلال أسبوعين لأن المكالمات كانت تأتي من شركاتٍ تستخدمُ البرنامجَ أصلاً.

 

لقد ضاعف ليفي عددَ موظفيه في العام الماضي ليصلَ إلى 125 شخصاً. وهو يخطط لتوظيف 75 آخرين هذا العام. إن الكلمةَ المكتوبةَ على اللوحةِ المعدنيةِ لسيارته الجديدةِ السوداء من طراز (بي إم دبليو – BMW) هي “GOCLOUD”.

شارك هذه المعلومات مع غيرك...Share on Facebook0Share on Google+0Tweet about this on TwitterShare on LinkedIn0
 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*



*